فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}
وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة مستغيثين طالبين أن يعطوهم ويفيضوا عليهم من الماء أو من رزق الله لهم في الجنة، فيقول أهل الجنة: نحن مربوطون الآن ب كن، ولم يعد لنا الاختيار، وقد حرم الله عليكم أي شيء من الجنة ومنعه عنكم، فأنتم يا أهل النار ممنوعون أو هذه المتع ممنوعة عنكم. وحين يطلب أهل النار الماء، فهم يطلبون أوليات الوجود، في نار أحاطت بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه.
ولذلك يقول الحق بعد ذلك عن الكافرين الذين حرم عليهم خير الجنة: {الذين اتخذوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا...}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {أنْ أفِيْضُوا} كأحوالها من احتمال التفسير والمصدرية، و{مِنَ المَاءِ} متعلق بـ {أفيضَوا} على أحد وجهين:
إمَّا على حذف مفعول أي: شيئًا من الماء، فهي تبعيضية طلبوا منهم البعض اليسير، وإمّا على تضمين {أفِيضُوا} معنى ما يتعدّى بـ {من} أي: أنعموا منه بالفيض.
وقوله: {أوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ} {أو} هنا على بابها من اقتضائها لأحد الشيئين؛ إمَّا تخييرًا، أو إباحة، أو غير ذلك مما يليق بهما، وعلى هذا يقال: كيف قيل: حرَّمهما فأعيد الضَّميرُ مثنى وكان من حق من يقول: إنَّها لأحد الشيئين أن يعود مفردًا على ما تقرَّر غير مّرة؟
وقد أجابوا بأن المعنى: حرّم كلًا منهما.
وقيل: إن {أو} بمعنى الواو فعود الضمير واضح عليه.
و{مِمَّا} ما يجوزُ أن تكون موصولة اسميّة، وهو الظَّاهِرُ، والعائد محذوف أي: أو من الذي رزقكموه الله، ويجوزُ أن تكون مصدرية، وفيه مجازان.
أحدهما: أنَّهم طلبوا منهم إفَاضَةَ نفس الرزق مبالغة في ذلك.
والثاني: أن يراد بالمصدر اسم المفعول، كقوله: {كُلُواْ واشربوا مِن رِّزْقِ الله} [البقرة: 60] في أحد وجهيه.
وقال الزمخشريُّ: أو مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من غيره من الأشْرِبَةِ لدخوله في حكم الإفاضة.
ويجوزُ أن يُراد: أن ألْقوا علينا من ما زرقكم الله من الطعام والفاكهة كقوله: [الرجز].
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَاردًا

قال أبُو حيَّان: وقوله: وألْقوا علَيْنَا مِمَّا رَزَقكُمُ اللَّهُ منَ الطَّعامِ والفاكهة يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون قوله: {أفيضُوا} ضُمِّن معنى قوله: {ألقوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله} فيصحُّ العطف.
ويحتمل- وهو الظاهر من كلامه- أن يكون أضمر فعلًا بعد أو يصل إلى مما رزقكم اللَّهُ، وهو ألقوا، وهما مذهبان للنحاة فيما عُطفَ على شيء بحرف عطف، والفعل لا يصل إليه، والصَّحيحُ منهما التّضميل لا الإضمار.
قال شهابُ الدِّين: يعني الزمخشري: أن الإفاضة أصل استعمالها في الماء، وما جرى مجراه في المائعات، فقوله: أو من غيره من الأشْرِبَةِ تصحيح ليسلّط الإفاضة عليه؛ لأنَّهُ لو حُمِلَ مما رزقكم اللَّه على الطعام والفاكهة لم يَحْسُن نسبة الإفاضة إليهما إلاَّ بتجوز، فذكر وجه التجوز بقوله: ألقوا، ثم فسَّره الشيخ بما ذكر، وهو كما قال، فإن العلف لا يُسند إلى الماء فيؤولان بالتضمين أي: فعلفتها، ومثله: [الوافر]
-................. ** وَزَجَّجْنُ الحَوَاجِبَ والعُيُونَا

وقوله: [مجزوء الكامل]
يَا لَيْتَ زَوْجَكِ قَدْ غَدَا ** مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحا

وقوله تعالى: {والذين تَبَوَّءُوا الدار والإيمان} [الحشر: 9] وقد مَضَى من هذا جملة صالحة.
وزعم بعضهم أن قوله: {أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} عام يندرج فيه الماء المتقدِّم، وهو بعيد أو متعذّر لِلْعَطْفِ بـ {أو}.
والتَّحريم هنا المنع كقوله: [الطويل]
حَرَامٌ عَلَى عَيْنَيَّ أنْ تَطْعَمَا الكَرَى

. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)}
دلَّت الآية على أن من أواخر ما يبقى على الإنسان الأكل والشربَ؛ فإنهم في تلك العقوبات الشديدة يقع عليهم الجوعُ والعطش حتى يتضرعون كلَّ ذلك التضرع؛ فيطلبون شربة ماء أو لقمة طعام وهم في غاية الآلام، والعادة- اليومَ- أن من كان في ألم شديد لا يأكل ولا يشرب، وهذا شديد.
ثم أَبْصِرْ كيف لا يسقيهم قطرةً- مع استغنائه عن تعذيبهم، وقدرتِه على أن يعطيه ما يريدون! ولكنه قهر الربوبية وعِزُّ الأحدية، وأنه فَعَّالٌ لما يريد. فكما لم يرزقهم- اليومَ- من عرفانه ذرة، لا يسقيهم غدًا في تلك الأحوال قطرة، وفي معناه أنشدوا:
وأَقْسَمْنَ لا يسقيننا- الدهرَ- قطرةً ** ولو فُجِّرت من أرضهن بحورُ

ويقال إنما يطلبون الماء ليبكوا به بعدما نفدت دموعهم، وفي هذا المعنى قيل:
يا نازحًا نَزَفَتْ دمعي قطيعتُه ** هَبْ لي من الدمعِ ما أبكي عليكَ به

وفي هذا المعنى أنشدوا.
جرف البكاءُ دموعَ عينك فاستعِرْ ** عينًا لغيرك دمعها مدرار

مَنْ ذا يُعيرك عينَه تبكي بها ** أرأيتَ عينًا للبكاء تُعار؟

. اهـ.

.تفسير الآية رقم (51):

قوله تعالى: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{الذين اتخذوا} أي تكلفوا غير ما دلهم عليه العقل الفطري حين نبه بالعقل الشرعي بأن أخذوا {دينهم} بعد ما محقوا صورته وحقيقته كما يمحق الطين إذا اتخذته خزفًا فصار الدين {لهوًا} أي اشتغالًا بما من شأنه أن يغفل وينسى عن كل ما ينفع من الأمور المعجبة للنفس من غير نظر في عاقبة، فجوزوا من جنس عملهم بأن لم ينظر لهم في إصلاح العاقبة.
ولما قدم ما هو أدعى إلى الاجتماع على الباطل الذي هو ضد مقصود السورة من الاجتماع على الجد وأدعى إلى الغفلة، وكان من شأن الغفلة عن الخير أن تجر إلى استجلاب الأفراح والانهماك في الهوى، حقق ذلك بقوله: {ولعبًا} أي إقبالًا على ما يجلب السرور ويقطع الوقت الحاضربالغرور، ولذلك أتبعه قوله: {وغرتهم} أي في فعل ذلك {الحياة الدنيا} أي بما فيها من الأعراض الزائلة من تأميل طول العمر والبسط في الرزق ورغد العيش حتى صاروا بذلك محجوبين عن نظر معانيها وعما دعا إليه تعالى من الإعراض عنها فلم يحسبوا حساب ما وراءها.
ولما كان تركهم من رحمته سبحانه مؤبدًا، أسقط الجار {فاليوم} أي فتسبب عن ذلك أن في هذا اليوم {ننساهم} أي نتركهم ترك المنسي {كما} فعلوا هم بأنفسهم بأن {نسوا} أي تركوا {لقاء يومهم هذا} فلم يعدوا له عدته {وما} أي وكما {كانوا} أي جبلة وطبعًا {بآياتنا} على ما لها من العظمة بنسبها إلينا {يجحدون} أي ينكرون وهم يعرفون حقيقتها لأنها في غاية الظهور. اهـ.

.قال الفخر:

ثم إنه تعالى وصف هؤلاء الكفار بأنهم اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا، وفيه وجهان:
الوجه الأول: أن الذي اعتقدوا فيه أنه دينهم، تلاعبوا به، وما كانوا فيه مجدين.
والوجه الثاني: أنهم اتخذوا اللهو واللعب دينًا لأنفسهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما يريد المستهزئين المقتسمين.
ثم قال: {وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا} وهو مجاز لأن الحياة الدنيا لا تغر في الحقيقة بل المراد أنه حصل الغرور عند هذه الحياة الدنيا، لأن الإنسان يطمع في طول العمر وحسن العيش وكثرة المال، وقوة الجاه فلشدة رغبته في هذه الأشياء يصير محجوبًا عن طلب الدين.
غرقًا في طلب الدنيا، ثم لما وصف الله تعالى أولئك الكفار بهذه الصفات قال: {فاليوم ننساهم كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هذا} وفي تفسير هذا النسيان قولان:
القول الأول: أن النسيان هو الترك.
والمعنى: نتركهم في عذابهم كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، وهذا قول الحسن ومجاهد والسدي والأكثرين.
والقول الثاني: أن معنى ننساهم كما نسوا أي نعاملهم معاملة من نسي نتركهم في النار كما فعلوا هم في الإعراض بآياتنا، وبالجملة فسمى الله جزاء نسيانهم بالنسيان كما في قوله: {وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا} [الشورى: 40] والمراد من هذا النسيان أنه لا يجيب دعاءهم ولا يرحمهم، ثم بين تعالى أن كل هذه التشديدات إنما كان لأنهم كانوا بآياتنا يجحدون وهذه الآية لطيفة عجيبة وذلك لأنه تعالى وصفهم بكونهم كانوا كافرين ثم بين من حالهم أنهم اتخذوا دينهم لهوًا أولًا، ثم لعبًا ثانيًا، ثم غرتهم الحياة الدنيا ثالثًا، ثم صار عاقبة هذه الأحوال والدرجات أنهم جحدوا بآيات الله، وذلك يدل على أن حب الدنيا مبدأ كل آفة كما قال عليه الصلاة والسلام: «حب الدنيا رأس كل خطيئة» وقد يؤدي حب الدنيا إلى الكفر والضلال. اهـ.